الوراثيات (علم الوراثة)
كل شكل من أشكال الحياة، من الفيل إلى الطحلبة، مؤلف ومحكوم ((بوصفة)) كيماوية، تتخذ شكل راموز كيماوي لا تدويني. هذا الراموز تحتويه الجزيئات اللولبية للحامض النووي الريبي المنقوص الأكسجين (د ن أ)،المحتشدة داخل الخلايا في جميع الكائنات الحية. وهذا الراموز الكيماوي معقد جداً، فهو يشمل في الخلية البشرية الواحدة من 50000 إلى 100000 تعليمة منفصلة، تدعى جينات، كل منها تحكم صفة مختلفة. الوراثيات علم يبحث في سبل انتقال الصفات الوراثية من جيل إلى جيل.
الصبغيات البشرية
هناك 46 من الصبغيات الموجودة في خلية بشرية واحدة. لقد جرت معالجة الصبغيات بصبغ خاص ورتبت أزواجاً. لكل نوع من أنواع النبات والحيوان عدد صبغي مميز_ بعضها يحوي أقل من عشرة صبغيات بينما تحوي أخر ما يزيد على الألف.
الصبغيات والجينات و(د ن أ)
نواة الخلية تحوي قطعاً متعددة من (د ن أ)؛ كل واحدة منها تدعى صبغي أو صبغية. والجينة نطيق واحد من الصبغية فيه التعليمات الوافية لتصنيع بروتين واحد. يقوم (د ن أ) بتوجيه التعليمات إلى الخلية لتصنيع البروتينات المتعددة المختلفة التي يقتضيها عمل الخلية. ولتحقيق ذلك، "ينفتح زمام" جزء من لولب (د ن أ) مؤقتاً، ليمكن استنساخ راموزه. وتنتقل النسخة إلى خارج النواة حيث توجه الخلية لتصنيع البروتين المعين، الذي قد يكون إنزيماً أو كولاجيناً (بروتيناً جلدياً) مثلاً.
الإختلافات الطبيعية
إن بعض النبتات المزهرة قد تبدو متماثلة؛ لكن كل نبتة فيها ذات (د ن أ) فريد خاص بها، لأنها تكونت بالتكاثر الجنسي. وهذا يكسبها مجموعة من المميزات. فقد تكون أغزر إزهاراً من سواها، أو لعلها تسخر طاقة أكثر لإنماء الجذور. هذه الإختلافات الطفيفة مهمة جداً، لأنها تعني أن النوع يتطور (يتغير مع الزمن). فبعض تغيرات ال(د ن أ) الأكثر نجاحاً ستصبح جيناتها الأكثر شيوعاً مع تعاقب الأجيال.
الطفرات
جزيء (د ن أ) طويل جداً وكثيراً ما يتعرض للتلف. وفي العادة، يصلح هذا التلف تلقائياً. أما إذا كان التلف شاملاً، فإنه يؤدي إلى تخليق قطعة جديدة دائمة من الراموز الوراثي تدعى طفرة. والطفرات التي تحدث في الخلايا الجسدية قليلة الأثر؛ أما التي تحدث في الأمشاج (الأعراس أو الخلايا الجنسية) فيمكن انتقالها من جيل إلى آخر، مخلقة صفات جديدة في الكائنات الحية.
الجينات والناس
إذا لم تكن توأماً طبيقاً، فأنت فريد في تركيبتك من الجينات التي تحكم الصفات الوراثية في جسمك، والتي لا يماثلك فيها أحد. أحياناً الجينة الواحدة تحكم صفة ظاهرة، كلون العينين مثلاً، لكن الغالب أن تسهم عدة جينات في ذلك. إن الكثير من الصفات الموروثة تتبدل تبعاً لأسلوب ونمط الحياة. فطولك مثلاً، يعتمد على نوعية غذائك كما يعتمد على جيناتك أصلاً.
الإنتصاف (الإنقسام المنصف)
الإنتصاف نوع خاص من الإنقسام الخلوي ينتج أمشاجاً (خلايا جنسية). وفيه تنقسم الخلية مرتين لتنتج أربع خلايا جديدة فردانية الصبغيات، أي إن الواحدة منها تحوي نصف كمية (د ن أ)، الموجودة في الخلية الأصلية. كما إن كلاً من صبغياتها جديدة فريدة النمط لأن صبغيات الخلية الأصلية تتبادل قطعاً فيما بينها قبل الإنقسام مباشرة. وخلافاً للإنقسام الفتيلي (الإنقسام الخلوي العادي) فإن الإنقسام المنصف ينتج خلايا ذات تعليمات وراثية جديدة. ويدعى المشيج الأنثوي عادةً البويضة (أو البييضة)، والمشيج الذكري النطفة.
فرداني وضعفاني
الخلية ذات المجموعة المزدوجة من الصبغيات تدعى ضعفانية أو مزدوجة الصبغيات؛ والخلايا الجسدية هي عادةً ضعفانية. أما الخلية الجنسية فهي فردانية تحوي مجموعة مفردةً من الصبغيات أي نصف عدد الصبغيات في الخلية الجسدية. وباتحاد خلية جنسية ذكرية مع أخرى أنثوية ينتج المشيجان خلية ضعفانية يمكنها النماء إلى متعض جديد.
الجينات والجنس
في الإنسان والقطط وكثير من الحيوانات الأخرى، هنالك صبغيان مختلفا الشكل يحددان جنس الفرد، هما صبغيا (س) و(ص) أي (إكس) و(واي). فقد يحوي الحيوان صبغي (س) فيكون أنثى، أو قد يحوي صبغي (س) و(ص) فيكون ذكراً. لكن لا يمكنه أن يحوي صبغي (ص)؛ لأنه يتلقى دائماً صبغي (س) من والدته. وبالإضافة إلى الجنس، فهذان الصبغيان يحددان أيضاً بعض الصفات الأخرى. ففي القطط مثلاً يرتبط لون الفرو بالجنس، كما يرتبط عمى الألوان بالجنس في البشر.
كيف تنتقل الصفات بالوراثة
الخلايا في معظمها مزدوجة الصبغيات_ مجموعة من الوالد وأخرى من الوالدة؛ فهي ثنائية الجينات أيضاً. في العادة، بين الزوج من الجينات، هناك جينة سائدة_ تحجب تأثير شريكتها الصاغرة (المتنحية). وتلحظ في الشكل المرفق كيفية تحكم زوج من الجينات في ألوان أزهار البسلى. فالجينة السائدة (الموسومة ح) تجعل الأزهار حمراء والجينة الصاغرة (الموسومة ح) تجعل الأزهار بيضاء_ علماً أن تأثيرات الجينة ح تحتجب، ما لم يتواجد اثنتان منها (ح ح).
روزالند فرانكلين
تم التقدم الحاسم في دراسة بنية (د ن أ)، عام 1953 على يد الفيزيائي الحيوي البريطاني، فرنسيس كرك (المولود عام 1916) وعالم الوراثيات الأمريكي، جيمس واطسون (المولود عام 1928). فقد توصلا إلى استنتاج أن (د ن أ) ذو بنية لولبية مزدوجة بعد دراسة صور بالأشعة السينية التقطتها عالمة البلورات البريطانية روزالند فرانكلين( 1920_ 1958)، أثناء دراستها لبلورات (د ن أ) بأشعة إكس. وقد نال كرك وواطسون بالإشتراك مع موريس ويلكنز (المولود عام 1916) جائزة نوبل للفسيولوجية (أو الطب) عام 1962. لكن فرانكلين وافاها الأجل قبل أن يقدر فضلها حق قدره.
جريجور مندل
مندل (1822_ 1884) راهب نمساوي وعالم نبات اكتشف كيفية انتقال الصفات بالوراثة. فقد أجرى بصبر لافت آلاف التجارب على نبات البسلى، بإخصاب أصول معينة تهجينياً ودراسة النتائج الحاصلة. فوجد أن الوراثة لا تحدث بمزج الصفات معاً، كما كان يعتقد في حينه، بل إنها تنتقل بالوراثة أزواجاً. ومن كل زوج تكون إحدى الصفات فقط هي السائدة. لقد وضع مندل القوانين الأساسية في الوراثة عام 1866، لكنها لم تنشر في حينه ولم يعد العلماء اكتشافها حتى أوائل القرن العشرين.
